نشأة الوقف وجذوره التاريخية
Ali Hade
أغسطس 30, 2023
الفعاليات العلمية, مقالات
37 زيارة
أ.م.د سحر جاسم الطريحي
منذ زمن طويل كرس الناس فكرة الحبس الخيري بعد ان فكروا في الحياة الاخرة وفي الثواب والعقاب ، فلكل امة من الامم السابقة معتقداتها الخاصة وألهتها التي تقدسها فكانت تحبس الاموال من معابد واراضي وغيرها عليه، وباتساع الملكية الخاصة عمدوا الى استبقاء املاكهم على ذريتهم ، ففكروا في الحبس الذري، ففي مصر مثلا كان الفراعنة يحبسون اموالهم ليصرف ريعها على ارواحهم ومقابرهم وتماثيلهم ,وعرفت الحضارة البابلية فكرة الاوقاف حيث كان ملوكها يهبون حق الانتفاع بغلات بعض العقارات والاراضي لبعض الموظفين والفقراء والارامل والايتام دون ان تنتقل ملكية الرقبة اليهم ولم يكن احد من هؤلاء الفقراء او الارامل له حق التصرف بالبيع او غيره في تلك العقارات او الاراضي. كما ان الملك رمسيس الثاني حبس على معبد اراضي واملاك كبيرة ونقل ملكية هذه الاملاك امام الناس، كما ان القانون المصري القديم عرف نظام الوقف الاهلي فقد وجد عقد هبة صدر من شخص في عصر الاسرة الخامسة الى ابنه الاكبر دون ان يكون له حق التصرف فيها.
اما عند اليونان القدماء فقد وجد ما يعرف بنظام الإرصادات الخيرية ، وارتقى هذا النظام بعد ظهور الديانة المسيحية حتى كان على راسها موظفاً يسهر على تنفيذ شروط الواقفين، وفي القرن السابع عشر فان جزء كبير من مساحة فرنسا كانت عبارة عن ارصادات خيرية مسيحية بعد ان انتشرت تلك الإرصادات في عموم اوربا، ولم تتخلص منها فرنسا الا بالثورة حيث كانت وقفاً على الملاجئ والمدارس والمستشفيات والاديرة ومحلات العبادة. ولقد عرف الرومان الوقف الذري وكان الحبس عندهم على طبقة واحدة، وعندما تعددت الطبقات، اصدر الاباطرة امرًا بحلها اذا تجاوزت اربع طبقات معينة حيث يصير بعدها ملكاً حراً للطبقات التي تليها وذلك لمضار الحبس على الذرية من جهة ولتحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية والتي باتت عاجزة بالحبس, وبظهور الاسلام عرف الوقف بمعناه الحقيقي والمتعارف عليه فقد وضعت الشريعة الاسلامية اسسه واحكامه وقواعده وكانت اوائل الوقفيات في عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وكانت تشمل المساجد والمزارع وغيرها، وكان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اول من قام بالوقف كما ورد عن الامام الرضا(عليه السلام).
وقد ميزت الشريعة الاسلامية بين ثلاث انواع من الوقف بحسب الاغراض التي انشا من اجلها:
اولا: الوقف الديني : وهو لتخصيص الاموال لأهداف العبادة بمعناها الخاص مثل اماكن الصلاة والعبادة كالمساجد والكنائس والمعابد، وهذا النوع معروف لدى جميع حضارات العالم.
ثانياً: الوقف الخيري: وهو ما يخصص من اموال منقولة وغير منقولة لوجوه الخير والبر المتنوعة كالمستشفيات والمدارس.
ثالثاً: الوقف الذري (الخاص): وهو ما يخصص من اموال يعين اولاد الواقف وذريته على زيادة دخولهم المستقبلية, وفي عهد الدولة الاموية صار للأوقاف ديوان مستق يشرف عليه القاضي . كما اتسعت الاحباس والاوقاف وتنوعت في عهد الدولة العباسية حتى اصبحت الارض الزراعية توقف بعد ان استقر الوقف زمناً طويلا على الدور والرباع كما قام العباسيون ايضا بتخصيص جهاز اداري لمتابعة الاوقاف والاشراف عليها وكان رئيس هذا الجهاز يسمى (صدر الوقف)، وقد قوى هذا الجهاز في عهد الدولة العثمانية وزادت فروعه وصدرت له القوانين المنظمة لاختصاصاته واعماله وكيفية ممارسة مسؤولياته والمحاسبة عليها، ويسوق لنا الرحالة ابن بطوطة في كتابه(تحفة النظار) وهو يصف بعض من اوقاف دمشق قائلا: ” الاوقاف في دمشق لا تحصر انواعها ومصارفها فمنها اوقاف على العاجز عن الحج يعطى لمن يحج من الرجال منهم كفايته ومنها اوقاف على تجهيز البنات وهن اللواتي لا قدرة لاهلهن على تجهيزهن ومنها اوقاف لفكاك الاسرى ومنها اوقاف لا بناء السبيل يعطون منها ما ياكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم ومنها اوقاف على تعديل الطرق ورصفها ومنها اوقاف لسوى ذلك من افعال الخير.
Related