الرئيسية / الفعاليات العلمية /  الضمــانات القانونيــة للديون المدنيـــة

 الضمــانات القانونيــة للديون المدنيـــة

أ.م.د. عمار محسن كزار الزرفي
 اذا ترتب الالتزام في ذمة شخص فالأصل ان يقوم بتنفيذ التزامه اختياراً , وبعكسه فإن للدائن ان يستخدم حقه في اللجوء الى التنفيذ الجبري , الا ان التنفيذ يبدو عديم الفائدة اذا لم يسعف القانون حق الدائن بضمان معين , وان هذا الضمان اما ان يكون عاما يشترك فيه جميع الدائنين , ويشمل جميع اموال المدين , او يكون الضمان خاصا يختص به احد الدائنين , فيقع على مال معين للمدين .
وان للدائنين العاديين حق الضمان العام على جميع اموال مدينهم , الا ان هذا الضمان لا يخول الدائن العادي حق افضلية في التقدم على غيره , كما انه لا يخول الدائن العادي حق تتبع ما يخرج من ملك المدين من مال , واخيرا فانه لا يخول الدائن العادي حق التدخل في ادارة اموال المدين والتصرف فيها , الأمر الذي حدى بالمشرع الى ان يقرر وسائل قانونية معينة على الضمان العام .
   وتختلف الوسائل المقررة على حق الضمان العام بين وسائل تحفظية ووسائل تمهيدية ووسائل تنفيذية , فبالنسبة للوسائل التحفظية فإنها على نوعين , وسائل يتخذها الدائن بالنسبة الى حقه الذي يريد التنفيذ به أي يتخذه في ماله , ووسائل يتخذها بالنسبة الى اموال المدين حتى يحافظ عليها من الضياع , الا ان جميع هذه الوسائل التحفظية هي اجراءات وقائية ولا تمكن الدائن من استيفاء حقه .
وبالنسبة الى الوسائل التمهيدية فإنها تهدف الى حماية حقوق الدائنين وتسهيل استيفائها , وقد ذكر المشرع العراقي في تقنينه المدني خمسا منها , هي دعاوى ثلاث واجراءان , اما الدعاوى الثلاث فهي الدعوى غير المباشرة ودعوى عدم نفاذ التصرفات , ودعوى الصورية , واما الاجراءان فهما الحجر على المدين المفلس , والحق في الحبس للضمان , الا ان الالتجاء الى هذه الوسائل لا يكون الا بعد اعسار المدين اضافة الى ما تتطلبه في من شروط وما تستغرقه من وقت .
   وبالنسبة الى الوسائل التنفيذية فهي وسائل يباشرها الدائن استعانة بالسلطة العامة لاقتضاء حقه , وقد قرر قانون التنفيذ اربعة وسائل تنفيذية تتمثل في كل من الاستعانة بالشرطة ومنع المدين من السفر والحبس التنفيذي والحجز على اموال المدين , وبالرغم من كل هذه الوسائل التنفيذية التي يمنحها القانون للدائنين العاديين الا انهم لا يزالون معرضين لأن يفقدوا بعض حقوقهم قبله ولا بد لهم من ضمانات خاصة تجنبهم هذا الخطر , فظهرت التأمينات الخاصة في صورتها الشخصية ثم العينية وتتمثل التأمينات الشخصية بضم ذمة او اكثر الى ذمة المدين الأصلي , وهناك اكثر من صورة للتأمينات الشخصية , كما في تضامن المدينين وعدم قابلية الالتزام للانقسام , الا ان اهم صور التأمينات الشخصية هي الكفالة , الا انها لا توفر للدائن ضمانا كافيا يكفل له الحصول على حقه اذ ان خطر اعسار الكفيل يظل قائما الى جانب خطر اعسار المكفول, وتتمثل التأمينات العينية بتقرير حق عيني تبعي على مال معين ويكون للدائن تتبع هذا المال في أي يد كان لينفذ عليه بالحجز ثم البيع , ويستوفي دينه من ثمنه بالأولوية على الدائنين الآخرين , وتنظم التأمينات العينية جميعا فكرة واحدة وهي فكرة الرهن ضمانا لوفاء الدين , فيكون هذا الرهن بمقتضى اتفاق في حق الرهن , وبمقتضى نص القانون في حقوق الامتياز .
  وان حق الرهن , تأمينيا كان ام حيازيا قد لا يوفر للدائن ضمانا كافيا , اذ ان الدائن المرتهن قد يكون عرضة لمزاحمة دائن مرتهن آخر مساوي له في الضمان فيعرضه لقسمة الغرماء , او لمزاحمة دائن ممتاز فيتقدم عليه في استيفاء حقه من المال محل الضمان , كما ان حق الامتياز عاما كان ام خاصا , قد لا يوفر ايضا للدائن ضمانا كافيا , اذ ان الدائن الممتاز قد يكون عرضة لمزاحمة دائن ممتاز آخر مساوي له او اعلى منه في المرتبة , ومن القواعد المسلم بها ان من الزم نفسه فقد الزم امواله , فالالتزام حق من الحقوق المالية , ويطلق عليه ايضا اصطلاح الحق الشخصي , وهو رابطة ما بين شخصين دائن ومدين يطالب بمقتضاها الدائن المدين بأن ينقل حقا عينيا او ان يقوم بعمل او ان يمتنع عن عمل (م 69/1 مدني) , وهذه الرابطة اذا نظرنا اليها من ناحية الدائن سميت حقا شخصيا , واذا نظرنا اليها من ناحية المدين سميت التزاما , ويرى شراح القانون ان اصطلاح الالتزام هو اصدق الاصطلاحات في التعبير عن العلاقة بين الدائن والمدين .
   واذا ترتب الالتزام في ذمة شخص , نشأ حق الدائن تجاه مدينه , والأصل ان يستجيب المدين الى عنصر المديونية في الالتزام فينفذ الأداء الملقى على عاتقه طوعاً واختياراً , وهو في ذلك يؤدي واجباً من شأن انفاذه تدعيم الثقة في التعامل وتشجيع الائتمان , اما حيث يمتنع المدين عن الاستجابة الاختيارية لعنصر المديونية , فإن للدائن بمقتضى عنصر المسؤولية ان يستخدم حقه في الاقتضاء لقهر امتناع المدين توصلاً الى التنفيذ الجبري للالتزام , الا ان التنفيذ يبدو عديم الفائدة اذا لم يسعف القانون حق الدائن بضمان معين , سواء أكان هذا الضمان ضماناً عاماً ام ضماناً خاصاً .
 فهذا الضمان اما ان يكون عاما يشترك فيه جميع الدائنين بغير تمييز بينهم , وهو لا يقتصر على مال معين من اموال المدين , وانما يمتد ليشمل جميع الاموال التي تدخل في ذمته المالية , فهذه الاموال في مجموعها تشكل الضمان العام للوفاء بالتزامات المدين , وعلة هذا ان مسؤولية المدين عن دين معين لا تعطي للدائن حقا مباشرا على مال معين من اموال المدين , وانما هي فقط تعطي للدائن امكانية اخضاع اموال المدين للتنفيذ , وهذه الامكانية لأنها لا تقع على مال معين , يمكن ان يكون محلها اي مال من اموال المدين موجودا وقت التنفيذ , كما يمكن من ناحية اخرى ان تكون لكل دائن, فنفس المال يكون ضمانا لأكثر من التزام , وقد يكون الضمان خاصا يختص به احد الدائنين دون غيره , فيقع على مال معين للمدين لمصلحة احد دائنيه , فيأمن به خطر اعسار المدين او امتناعه عن الوفاء , الا انه ليس من شأن حق الضمان الخاص هذا ان يجعل صاحبه مختصا بالمال الواقع عليه دون غيره , وكل ما في الأمر ان اثره ينحصر في جعل صاحبه متقدما على باقي الدائنين في استيفاء حقه من قيمة المال الواقع عليه الضمان عند توزيع حصيلة التنفيذ , في حين يبقى متساويا مع بقية الدائنين فيما يخص باقي اموال المدين التي تشكل دائرة ضمان عام لجميع الدائنين .
  وتكمن اهمية البحث في موضوع الضمانات القانونية للديون المدنية  في الدور الذي يتميز به هذا الموضوع من الناحية العملية , اذ ان كثيرا من تصرفاتنا اليومية ترتب التزامات مالية , والتي ربما لا تسدد لمستحقيها اما بسبب امتناع المدين عن الوفاء رغم قدرته , او بسبب عدم كفاية ذمته المالية للوفاء بذلك الدين كونه لم يحسن ادارة شؤونه المالية , فاذا تخلف المدين عن القيام بالأداء المترتب بذمته طوعاً , فاذا كان الالزام غير ثابت بسند تنفيذي فلابد ان يلجأ الدائن الى المحكمة المختصة للحصول على حكم بالحق الذي يدعيه , وبعد الحصول على هذا الحكم , فلا بد من وجود ضمان يمكن الدائن من الحصول على الدين المترتب له في ذمة المدين , وبذلك فان ضمان الوفاء يستمد اهميته من مبررات وجوده , فاذا كان هذا الضمان عاما فانه وان كان لا يقتصر على مال معين من اموال المدين , ويمتد ليشمل جميع الاموال التي تدخل في ذمته المالية , الا انه يقصر عن حماية الدائن حماية كافية لأنه يشترك فيه جميع الدائنين بغير تمييز بينهم فلا يخول صاحبه حق التقدم على غيره , كما انه لا يخوله حق تتبع ما يخرج من ملك المدين , ولا يخوله حق التدخل في ادارة اموال المدين والتصرف فيها , لذا فقد هيأ القانون لبعض الدائنين ضمانات خاصة تقع على مال معين للمدين لمصلحة احد دائنيه يستقل بها عن باقي الدائنين فتجعله في مركز خاص يتقي به في غالب الاحوال اعسار المدين , او امتناعه عن الوفاء , فالضمان الخاص يوفر ضمانا كافيا للدائن , وهو في الوقت ذاته يضع تحت يد المدين اداة للثقة والائتمان , اذ هو يمكنه من ان يقدم لدائنه ضمانا كافيا لحقه , فيستطيع ان يحصل على ما يحتاج اليه من المال ما دام قادرا على ان يقدم لدائنه الضمان الكافي .
ولقد غالت الشرائع القديمة في التضييق على المدين لحمله على الوفاء بديونه وشددت عليه الخناق في معيشته وحريته وتعرضت لإيذائه في شعوره وبدنه في سبيل استخلاص الحق منه , ولم تراع عند سنها وجاهة لأعذار المدين ولإمكانياته المالية بقدر ما راعت اظهار اسلوب الانتقام المتمثل بشدة القساوة التي قصد بها شخصه , فقد اباحت بعض تلك الشرائع ومنها الشرائع الرومانية للدائن حق الاستيلاء على شخص مدينه الذي يتعذر عليه الوفاء بديونه واسترقاقه او قتله  .
وفي مراحل تاريخية لاحقة انتقلت سلطة الدائن الى حرية المدين, فجوز له حبس مدينه حتى يفي بدينه , أو اجباره على العمل لمصلحته  بحيث اقتصر الاكراه البدني على نتاج الحرية في العمل وبمرور السنين تطورت العقلية القانونية لدى الشعوب فبدأت فكرة تحول الالتزام من جسم المدين الى ذمته المالية  فتلطفت النظرة الى الالتزام ليصبح للدائن حق التنفيذ على مال مدينه فقط فأصبح للالتزام مظهران , مظهر باعتباره رابطة شخصية فيما بين الدائن والمدين , ومظهرا باعتباره عنصرا ماليا يقوم حقا لذمة الدائن , ويترتب دينا في ذمة المدين , فإذا ترتب الالتزام في ذمة شخص , نشأ حق الدائن تجاه مدينه وامكنه الحصول عليه عن طريق التنفيذ الجبري , عينياً كان ام بطريق التعويض , اذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه اختياراً, والتنفيذ الاختياري هو التنفيذ الذي يقوم به المدين بمحض ارادته خلال سبعة ايام من اليوم التالي لتاريخ تبليغه بمذكرة الاخبار بالتنفيذ , اذا كان شخصا عاديا , او خلال ثلاثين يوما اذا كان شخصا عاما , بحيث يعفى من رسم التحصيل عما يقوم بتنفيذه,
اما التنفيذ الجبري فهو التنفيذ الذي تقوم به مديرية التنفيذ جبرا على المدين , بعد انتهاء مدة الاخبارية, بحيث لا يعفى من رسم التحصيل , حتى وان قام بالتنفيذ قبل اكمال معاملة التنفيذ الجبري
فالأصل ان يستجيب المدين الى عنصر المديونية في الالتزام فينفذ الأداء الملقى على عاتقه طوعاً واختياراً , وهو في ذلك يؤدي واجباً من شأن انفاذه تدعيم الثقة في التعامل وتشجيع الائتمان , اما حيث يمتنع المدين عن الاستجابة الاختيارية لعنصر المديونية , فإن للدائن بمقتضى عنصر المسؤولية ان يستخدم حقه في الاقتضاء لقهر امتناع المدين توصلاً الى التنفيذ الجبري للالتزام , وان ما يستهدفه الدائن من التنفيذ الجبري هو التوصل الى التنفيذ العيني بصفة أصلية أو التنفيذ بطريق التعويض بصفة احتياطية وعن طريق التنفيذ تنتقل الحقوق من نطاق التصور العقلي الى حيز الواقع الفعلي , ولا يكون السند التنفيذي مجرد تقرير نظري للحق , وهو ما يؤدي في النهاية الى اجتناء الدائن حقه من الشخص الملتزم بالأداء .

شاهد أيضاً

التعسف في استعمال حق التأديب

ندوة بعنوان (التعسف في استعمال حق التأديب) عقدت وحدة تمكين المرأة في كلية القانون بجامعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.