مقالة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم الخلق أجمعين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين .
إن الطبيعة البشرية جُبلت على حب الذات والأنانية وحادت عن الصراط السوي والمنهج القويم , فصار الطمع بما في أيدي الناس والإعتداء على حقوق الآخرين , شيئاً مألوفاً , لذا فقد إستلزم وجود المجتمع البشري , وجود قواعد تحكم تصرفات أفراده وتنسق بين مصالحهم المتعارضة وتحسم ما قد ينشأ بينهم من خصومات ومد يد العون الى صاحب الحق , الذي لا يعد كذلك إلا إذا إستطاع أن يُثبت حقه عن طريق أدلة الإثبات التي باتت تتناسب مع طبيعة الحضارة والقيم السائدة في المجتمع .
إن من المعروف أن إظهار الحق هو عملية مركبة قائمة على ثلاثة أركان رئيسية تتمثل في كل من النص , والواقعة التي ينطبق عليها النص , والدليل الذي يثبت وجود الواقعة .
فمن دون دليل إثبات فلا يمكن حماية الحق المتنازع فيه , والحق بدون الحماية القانونية له , لا يعدو أن يكون مجرد إلتزام طبيعي في ذمة المدين , أي مقتصراً على عنصر المديونية , في حين أن توافر هذه الحماية يجعل الإلتزام مدنياً شاملاً لكل من عنصري المديونية والمسؤولية .
ومن هذا المنطلق نجد أن صاحب الحق إذا تعرض حقه للإنكار فإنه يلجأ إلى إثبات صحة ما يدعيه عن طريق الدعاوى التي تنتج عنها الأحكام التي يصدرها القضاة في ضوء الأدلة المقدمة اليهم , ولذلك فقد قيل إن الدليل هو فدية الحق , وقيل أيضاً إن دليل الإثبات يحي الحق ويجعله مفيداً .
والدليل هو ما يُستدل به ، والدليل الدال أيضاً ، وقد دله على الطريق يدله دلالة ([1]) فهو دال والمفعول مدلول عليه وإليه ([2]) وإستدل عليه : طلب أن يُدَل عليه ، وإستدل بالشيء على الشيء : إتخذه دليلاً عليه ([3]) والدلالة : الإرشاد ، والدليل المرشد ([4]) والدليل جمعه أدلة والدلالة جمعها دلائل ، ودليل الخُلف : هو أن يبرهن على المطلوب في قضية ، بإظهار إستحالة نقيضه ([5]) .
وفي حديث علي عليه السلام في صفة الصحابة : ويخرجون من عنده أدلة ، وهو جمع دليل أي بما قد علموا فيدلون عليه الناس ، يعني يخرجون من عنده فقهاء فجعلهم أنفسهم أدلة مبالغة ([6]) وفلان يدل  بفلان أي يثق به ([7])  وأدل عليه : وثق بمحبته فأفرط عليه ([8]) .
أما بالنسبة لمعنى الإثبات ، فيقال ثبت الأمر والرأي وإستثبت : تأنى فيه ولم يعجل وإستثبت في أمره إذا شاور وفحص عنه ([9]) .
ولقد أطلق فقهاء المسلمين مصطلح البينات على أدلة الإثبات ، وذلك تأسياً بقوله تعالى :  ]وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ[  ([10]) فالبينات هي المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والإخبار بالمغيبات ([11]) .
وقال تعالى : ] وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [ ([12]) يعني جاء موسى بالبينات الدالة على صدقه وصحة نبوته ، كقلب العصا حية وإنبجاس الماء من الحجر واليد البيضاء وفلق البحر والجراد والقمل والضفادع ، وغيرها من الآيات ، وسماها بينات لظهورها وتبينها للناظرين اليها أنها معجزة لا يقدر على أن يأتي بمثلها بشر ، وإنما هي جمع بينة مثل طيبة وطيبات ([13])
كما قال تعالى :  ]إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ  [([14]) .
والبينات والهدى هي الأدلة وهي بمعنى واحد ، وإنما كُرر لإختلاف لفظهما ، وقيل : إنه أراد بالبينات الحجج الدالة على نبوته صلى الله عليه وآله وبالهدى الى ما يؤديه الى الخلف من الشرائع ، فعلى هذا لا تكرار ([15]) .
كما وردت كلمة بينة أو إحدى مشتقاتها بهذا المعنى في العديد من الآيات القرآنية المباركة الأُخرى([16]).
كما وردت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( البينة على من إدعى واليمين على من أنكر ) ([17]) .
أما بالنسبة إلى الغاية التي تتجه اليها الأدلة ، ألا وهي الإثبات ، فيلاحظ أن فقهاء المسلمين قد استعملوه
بمعناه اللغوي ، وهو إقامة الحجة ، ويؤخذ من استعمالاتهم أنهم يطلقونه على معنين عام وخاص ، أما المعنى العام فهو إقامة الحجة مطلقاً سواء أكان ذلك على حق أم على واقعة وسواء أكان أمام القاضي أم أمام غيره ، وسواء أكان عند التنازع أم قبله ، حتى أطلقوه على توثيق الحق وتأكيده عند إنشاء الحقوق والديون ، وعلى كتابة المحاضر والسجلات والدعوى عند الكاتب العدل ، أما المعنى الخاص فهو إقامة الحجة أمام القضاء بالطرق التي حددتها الشريعة على حق أو واقعة تترتب عليها آثار شرعية ([18]) .
فمن الأساسيات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء , ضرورة بناء دولة لها مؤسسات ومن أهمها مؤسسة القضاء التي تكفل حفظ الحقوق عن طريق وسائل الإثبات التي يمكن وصفها الأداة الفعالة المهمة في تحقيق العدل , لأن طرق الإثبات من أكثر الموضوعات الفقهية تطبيقاً , وإن الإسلوب الذي يتبعه المشرع في الإثبات يتوقف عليه ميزان العدل وإحقاق الحق , وإن فساد الإسلوب في الإثبات يعد معوقاً يمنع الناس من الوصول الى حقوقهم أو يخلق إرباكاً في طريق الوصول اليها فيعجز صاحبها عنها ([19]) .
ولقد كان لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الأثر الأمثل في تأسيس نظام القضاء وقواعد الإثبات بشكل عام , فلما جاء الدين الإسلامي كان القرآن الكريم هو الأصل في التشريع وهو المرجع عند التقاضي , وذلك تسليماً لقوله تعالى :  ]وأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ּ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ּ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُون  [([20]) .
ولقد جاءت هذه الآيات المباركة تعقيباً لقوله تعالى : ] إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ּ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ּ وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ּ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ  وَمَنْ  لَمْ يَحْكُمْ ِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ ([21]) .
هذا ولقد أشار القرآن الكريم إلى عدد من الحوادث تأريخية , التي  تظهر فيها أدلة الاثبات بشكل واضح , ومن ذلك ما ورد في قصة نبي الله يوسف عليه السلام , في قوله تعالى : ] وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ּ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ּ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ  [([22]) .
فمن  سياق الآية الكريمة يتضح بأن إخوة النبي يوسف ( ع ) كانوا قد قدموا عدة أدلة لإثبات ما إدعوه , فهم تعمدوا العودة الى أبيهم ليلاً لأن ظلام الليل ستر لهم , لا يفضح ما قد يبدو على وجوههم من إمارات الكذب , ثم دخلوا على أبيهم وهم يبكون , ثم شهد هؤلاء الأبناء بكثرة عددهم على مصرع أخيهم يوسف , ولغرض أن يضفوا على كل هذه الوقائع طابع الحقيقة , فقد قدموا قميص يوسف ( ع ) ملوثاً بالدم وكان الدم المذكور هو دم شاة ذبحوها لهذا الغرض إلا أن نبي الله يعقوب ( ع ) أبطل كل هذه الأدلة بدليل آخر , وهو أن الذئب لو أكل صاحب القميص , لكان القميص ممزقاً بأنيابه ([23]) .
ولقد سجل بعض المفسرين أن نبي الله يعقوب ( ع ) قال : ( متى كان هذا الذئب حكيماً يأكل يوسف ولا
 يمزق القميص ! ) ([24]) .
كما روي أن نبي الله يعقوب ( ع ) أخذ القميص والقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا , أكل إبني ولم يمزق عليه قميصه ([25]) .
وقال الحسن : لما رأى يعقوب القميص صحيحاً قال : يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً ([26]) وفي رواية أبي الجارود , عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : ] وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [ قال : إنهم ذبحوا جدياً على قميصه , قال علي بن إبراهيم : ورجع أخوته , فقالوا : نعمد الى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا : إن الذئب أكله , فلما فعلوا ذلك , قال لهم لاوي : يا قوم ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله , ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله , أفتظنون إن الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه , فقالوا : وما الحيلة ؟ قال : نقوم ونغتسل , ونصلي جماعة , ونتضرع إلى الله أن يكتم هذا الخبر عن نبيه ,  فإنه جواد كريم , فقاموا واغتسلوا , وكان في سنة إبراهيم وإسحاق ويعقوب , أنهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلاً , فيكون واحد منهم إماماً وعشرة يصلون خلفه , فقالوا كيف نصنع وليس لنا إمام فقال لاوي : نجعل الله إمامنا , فصلوا , وتضرعوا , وبكوا , وقالوا : يا رب اكتم علينا هذا , ثم جاؤوا الى أبيهم عشاءاً يبكون , ومعهم القميص قد لطخوه بالدم , فقالوا : ] يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ּ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ[  ثم قال النبي يعقوب ( ع ) : ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف , وأشفقه على قميصه , حيث أكل يوسف ولم يمزق قميصه ([27]) .
ومن الحوادث التأريخية ما ورد أيضاً في قصة نبي الله يوسف ( ع ), في قوله تعالى :  ]وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ּ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ּ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ּ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ּ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ּ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ּ يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [ ([28]) .
ويتضح أن قول نبي الله يوسف عليه السلام قد رجح على قوله زوجة العزيز , المناقض لقوله عـن طريق القرينة القاطعة التي تضمنها قول الشاهد , وسمي قوله شهادة لما أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها ([29]) .
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير – في رواية عنهما : إنه , أي الشاهد , كان صبياً في المهد , وفي رواية أخرى عن إبن عباس وابن جبير وهو قول الحسن وقتادة : إنه كان رجلاً حكيماً , وإختاره الجبائي قال : لأنه لو كان طفلاً لكان قوله معجزاً لا يحتاج معه الى بيان فلما قال الشاهد : إن كان قميصه كذا وكذا , رده الى الاستدلال بأنه لو كان المراود لكان القميص مقدودً من قبل , وحيث هو مقدود من دبر علم أنها هي المراودة , ومع كلام الطفل لا يحتاج الى ذلك ([30]) .
ومن جهة أخرى فقد حرم القرآن الكريم عدد من طرق حل النزاع لدى العرب أيام الجاهلية , وذلك مصداقاً لقوله تعالى : ] أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[  ([31]) .
وأهم هذه الطرق المحرمة , هي الكهانة والطيرة والأزلام , أما الكهانة فهي قيام أطراف النزاع بعرض قضيتهم أمام الكهنة اعتمادا على قدراتهم , وهو ضرب من ضروب الاحتكام الى الآلهة ([32]) .
وقد حرمت هذه الطريقة بقوله تعالى : ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَـلَالًاً بَعِيداً[  ([33]) .
فقد عجب الله تعالى نبيه عليه السلام في هذا الآية الكريمة ممن يزعم أنه آمن بما أُنزل على محمد وما أُنزل من قبله , بأن قال : ألم ينته عملك الى هؤلاء الذين ذكرنا وصفهم يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمرهم الله أن يكفروا به , وقيل في معناه – أي الطاغوت – قولان : الأول : إنه كاهن تحاكم اليه رجل من المنافقين ورجل من اليهود , وهذا قول الشعبي وقتادة , وقال السدَي : اسمه أبو بردة ([34]) .
الثاني : قال ابن عباس ومجاهد والربيع والضحاك : إنه كعب بن الأشرف وهو رجل من اليهود , فإختار المنافق التحاكم الى الطاغوت لأنه يقبل الرشوة , واختار اليهودي التحاكم الى محمد نبينا عليه السلام لأنه لا يقبل الرشوة ([35]) .
أما الطيرة فتقوم على فكرة الاحتكام الى الصدفة , إذ إنهم كانوا يزجرون الطير , فإن طار يميناً كان له حكم , وإن طار شمالاً كان له حكم آخر , وقد أبطل الله تعالى هذه الطريقة في الإثبات بقوله ] : قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ[  ([36]) .
اما الأزلام فهي عبارة عن قداح يكتب عليه كلمات , وكانت تستخدم في إثبات نسب رجل معين عند حصول الشك في نسبه ويلجأ اليها عند العجز عن الإثبات , ومن ثم الحكم بمقتضى هذه الطريقة , والتي حرمها الله سبحانه وتعالى في قوله :  ]وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ[  ([37]) .
وبعد هذا العرض الموجز لما ذكره القرآن الكريم من حوادث تأريخية , وما حرمه من طرق الإثبات أيام الجاهلية , لابد أن نشير الى ما وضعه القرآن الكريم من مبادئ راقية في الإثبات .
فبعد أن أمر الله سبحانه وتعالى الإنسان أن يحكم بالعدل إذا مارس القضاء , بقوله : ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً[   ([38])فإنه سبحانه وتعالى قد وضع طرق الإثبات التي يستند اليها الحكم العادل , وذلك بقوله : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيها ًأَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ ([39]) .
فقد روي في الخبر إن في سورة البقرة خمسمائة حكم , وفي هذه الآية خمسة عشر حكماً , وهو قوله  ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ  [ثلاثة أحكام  ]فَلْيَكْتُبْ[  أربعة أحكام  ]وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ [ خمسة أحكام , وهو إقراره إذا أملأ  ]وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئا[  ستة أحكام ] فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [ سبعة أحكام  ]وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ[  ثمانية أحكام  ]فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [ تسعة أحكام  ]وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [ عشرة أحكام  ]وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ[  أي لا تضجروا أن تكتبوه صغير السن أو كبيراً , أحد عشر حكماً ] ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [ إثنا عشر حكماً  ]وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [  ثلاثة عشر حكماً ] وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ [ أربعة عشر حكماً  ]وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ [  خمسة عشر حكماً ] وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ ([40]) .
وتظهر الإشارة إلى أدلة الإثبات بشكل واضح من خلال قوله تعالى :]  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ
إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ ּ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ּ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[  ([41]) .
ذكر الواقدي وأبو جعفر عليه السلام : إن سبب نزول هذه الآية ما قال أُسامة بن زيد عن أبيه قال : كان تميم الداري وأخوه عدي نصرانيين , وكان متجرهما الى مكة , فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة قدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة , وهو يريد الشام تاجراً , فخرج هو وتميم الداري وأخوه عدي حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض إبن أبي مارية , فكتب وصية بيده ودسها في متاعه , وأوصى إليهما , ودفع المال اليهما وقال : أبلغا هذا أهلي , فلما مات فتحا المتاع وأخذا ما أعجبهما منه ثم رجعا بالمال الى الورثة , فلما فتش القوم المال فقدوا بعض ما كان خرج به صاحبهم , ونظروا الى الوصية فوجدوا المال فيها تاماً وكلموا تميماً وصاحبه , فقالا : لا علم لنا به , وما دفعه إلينا أبلغناه كما هو , فرفعوا أمرهم الى النبي عليه السلام فنزلت هذه الآية الكريمة ([42]) .
كما روي أن هذه الآية نزلت في ابن بندي وابن أبي مارية النصرانيين , وكان رجل يقال له تميم الداري مسلم خرج معهما في سفر , وكان مع تميم خرج ومتاع وآنية منقوشة بالذهب , وقلادة أخرجها الى بعض أسواق العرب ليبيعها , فلما مروا بالمدينة اعتل تميم , فلما حضره الموت دفع ما كان معه الى ابن بندي وابن أبي مارية , وأمرهما أن يوصلاه الى ورثته , فقدما المدينة فأوصلا ما كان دفعه اليهما تميم , وحبسا الآنية المنقوشة والقلادة , فقال ورثة الميت , هل مرض صاحبنا مرضا طويلاً أنفق فيه نفقة كثيرة ؟ فقالا : ما مرض إلا أياماً قليلة , قالوا : فهل سرق منه شيء في سفره ؟ قالا: لا, قالوا : فهل اتجر تجارة خسر فيه ؟ فقالاً : لا , قالوا : فقد افتقدنا أنبل شيء , كان معه آنية منقوشة بالذهب مكللة وقلادة , قالاً : ما دفعه إلينا قد أديناه لكم , فقدموهما الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فأوجب عليهما اليمين فحلفا وأطلقهما , ثم ظهرت القلادة والآنية عليهما فأخبر ورثة الميت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك , فانتظر الحكم من الله , فأنزل الله هذه الآية ([43]) .
وبناءً على هذه الرواية فإن قرينة ظهور القلادة والآنية على النصرانيين , قد رجحت خيانتهما وكذب شهادتهما وفي حديث آخر : إنه لما عثر على خيانة الرجلين ووجد الإناء بمكة بعد أن استحلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند المنبر حلف رجلان من ورثته إنه إناء صاحبهما وإنهما خانا وكذبا فدفع الإناء اليهما ([44]) .
وبعد أن تناولنا أثر القرآن الكريم في تأسيس نظام القضاء والإثبات , فإننا لابد أن نتطرق الى أثر الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم , في هذا المجال .
فقد كان الرسول الأكرم ( ص وآله ) هو المرجع الأول في تطبيق الشريعة الإسلامية الغراء , وكان أول من تولى منصب القضاء , وذلك امتثالا لقوله تعالى :  ]إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً[  ([45]) .
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بوجوب طاعة الرسول والاحتكام إليه عند التنازع بقوله :  ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [ ([46]) .
فطاعة الله هي امتثال أوامره والانتهاء عن نواهية , وطاعة الرسول كذلك امتثال أوامره , وطاعة الرسول هي طاعة الله , لأنه تعالى أمر بطاعة رسوله , فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله , كما في  قوله تعالى :  ]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًاً [ ([47]) .
ومن الحوادث التأريخية التي ذكرها الرسول الأكرم ( ص وآله ) ما روي عنه من أنه قال ( كانت امرأتان معهما ابناهما , جاء الذئب فذهب بابن إحداهما , فقالت لصاحبتها : إنما ذهب بأبنك , وقالت الاخرى : إنما ذهب بابنك , فتحاكمتا إلى داود ( ع ) فقضى به للكبرى , فخرجتا على سليمان إبن داود ( ع ) فأخبرتاه , فقال : آتوني بالسكين أشقه بينهما , فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله , هو ابنها , فقضى به للصغرى ) ([48]) .
ولو تأملنا هذه الواقعة بشيء من العناية والدقة لوجدنا أن النبي داود ( ع ) قضى في الواقعة على أساس
الظاهر , بدليل أنه حكم بالطفل للمرأة الكبرى مرجحاً في ذلك وضع اليد , إذ كان الطفل في يد المرأة
الكبرى , لكن عندما عرض النزاع على النبي سليمان ( ع ) , قضى به للصغرى بناءً على ما نقدح في ذهنه ( ع ) من أن الدافع للمرأة الصغرى على الإقرار , بأن الولد ليس ابنها إنما هو الشفقة والحنان اللذان أودعهما الله قلوب الأمهات , كما فهم من رضا الكبرى بشق الولد بينهما أنه ليس إبنها وإنما أرادت الكيد للصغرى بقتل ولدها كما ذهب الذئب بولدها هي حقداً وحسداً , فلم يعامل الصغرى بإقرارها بأنه إبن الكبرى بناءً على هذه القرائن التي ظهرت له مع أن الإقرار من أقوى الحجج ([49]) .
ولولا فطنة نبي الله سليمان ( ع ) ولجوئه الى هذه الحيلة الشرعية , لما استنبط القرينة ولما استطاع أن يصيب كبد الحقيقة وهذا ما يجب أن يكون عليه القاضي ([50]) .
ومن قضائه ( ص وآله ) ما روي في قضية الحضرمي والكندي , من أن رجلاً من حضرموت أتى النبي ( ص وآله ) ومعه رجل من كندة فقال : يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي , فقال الكندي : أرضي وفي يدي أزرعها , لا حق له فيها , فقال النبي ( ص وآله ) للحضرمي : ” الك بينة ” ؟ قال : لا , فقال : لك يمينه , فقال الحضرمي : إنه فاجر لا يبالي على ما حلف , إنه لا يتـورع عـن شيء , فقال النبي ( ص وآله ) : ” ليس لك من إلا ذاك ” ([51]) .
ومن قضائه ( ص وآله ) ما رواه الأشعث بن قيس قال : كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته الى النبي ( ص وآله ) , فقال لي رسول الله ( ص وآله ) : ألك بينة ؟ قال قلت : لا , قال فقال اليهودي : أحلف , قال قلت : يا رسول الله إذن يحلف ويذهب بمالي , قال : فأنزل الله تعالى]  إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[  ([52]) .
وقد ورد بأن الرواة اختلفوا في سبب نزول هذه الآية الكريمة , فقال مجاهد وعامر الشعبي : إنها نزلت في رجل حلف يميناً فاجرة في تنفيق سلعته , وقال ابن جريج : إنها نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له في أرض قام ليحلف عند رسول الله , فنزلت الآية الكريمة فنكل الأشعث واعترف بالحق ورد الأرض , وقال عكرمة : نزلت في جماعة من اليهود , حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وأبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق , وقال الحسن : كتبوا كتاباً بأيديهم ثم حلفوا أنه من عند الله فيما إدعوا من أنه ليس علينا في الأُميين سبيل ([53]) .
ويتضح مما سبق أن الرسول الأكرم ( ص وآله ) قد جسد الإطار النظري والعملي لأهم  قاعدة في نظرية الاثبات ألا وهي ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) ([54]) وذلك بتوجيه اليمين الحاسمة الى المدعى عليه بعد أن عجز المدعي عن إثبات دعواه .
وبعد أن تناولنا أثر الرسول الأكرم ( ص وآله ) في نظام القضاء والإثبات , فإننا لابد أن نشير الى أثر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا المجال , والذي مارس القضاء في حياة الرسول ( ص وآله ) وبعد وفاته .
ومن قضائه , في حياة الرسول , ما كشف به الوقائع عن طريق التفريق بين الشهود وكتابة إقراراتهم , فقد روى السروري عن الطبري والواقدي أن عمير بن وابل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدعي على عليه السلام ثمانين مثقالاً من الذهب وديعة عند محمد وإنه هرب من مكة وأنت وكيله فإن طلب بينة فنحن معشر قريش نشهد عليه , وأعطوه على ذلك مائة مثقال ذهب منها قلادة عشـرة مثاقيـل , فجاء وادعى على علي فاعتبر الودائع كلها ورأى عليها أسامي أصحابها ولم يكن لما ذكره عمير خبر , فنصح له نصحاً كثيراً , فقال له إن لي من يشهد بذلك وهو أبو جهل وعكرمة وعقبة بن أبي معيط  وأبو سفيان وحنظلة , فقال عليه السلام : مكيدة تعود الى مدبرها , ثم أمر الشهود أن يقعدوا في الكعبة , ثم قال لعمير : يا أخا ثقيف أخبرني الآن حيث دفعت وديعتك هذه الى رسول الله أي الأوقات كان , قال ضحوة نهار فأخذها بيده وسلمها الى عبده , ثم استدعى بأبي جهل وسأله عن ذلك فقال ما يلزمني ذلك , ثم استدعى بأبي سفيان وسأله , فقال دفعها عند غروب الشمس وأخذها من يده وتركها في كمه , ثم استدعى حنظلة وسأله عن ذلك , فقال كان عند وقوف الشمس في كبد السماء وتركها بين يديه الى وقت انصرافه , ثم استدعى عقبة وسأله عن ذلك , فقال تسلمها بيده وأنفذها في
الحال داره وكان وقت العصر , ثم استدعى عكرمة وسأله عن ذلك فقال كان ذلك عند بزوغ الشمس أخذها فأنفذها من ساعته الى بيت فاطمة ثم أقبل على عمير وقال له : أراك اصفر لونك وتغيرت أحوالك , قال أقول الحق ولا يفلح غادر وبيت الله ما كان لي عند محمد وديعة , وإنهم حملوني على ذلك ([55]) .
وبذلك فأن أمير المؤمنين عليه السلام قد نقض كل تلك الشهادات بعد أن أثبت كذبها من خلال تناقضها
كما مارس أمير المؤمنين علي عليه السلام القضاء بعد وفاة الرسول الأكرم ( ص وآله ) , فقد روى الكليني والشيخ مسنداً عن عاصم بن حمزة السلولي , يروي فيه قصة الغلام الذي طردته أُمه وانتفت
 منه وزعمت أنها لا تعرفه وإنها لم تتزوج قط وأشهدت على ذلك إخوتها , فقال علي عليه السلام : لأقضين اليوم بقضية هي مرضاة الرب من فوق عرشه علمنيها حبيبي رسول الله , ثم قال لها : ألك ولي ؟ قالت : نعم هؤلاء إخوتي , فقال لإخوتها أمري فيكم وفي أُختكم جايز ؟ فقالوا : نعم يبن عم رسول الله أمرك فينا وفي أُختنا جايز , فقال علي عليه السلام : أُشهد الله وأُشهد من حضر من المسلمين اني قد زوجت هذا الغلام من هذه الجارية بأربعمائة درهم والنقد من مالي , يا قنبر علي بالدراهم , فأتاه قنبر بها فصبها في يد الغلام وقال : خذها فصبها في حجر امرأتك ولا تأتيني إلا وبك أثر العرس , يعني الغسل , فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة تم تلببها , فقال لها قومي , فنادت المرأة النار النار يبن عم محمد تريد أن تزوجني من ولدي , هذا والله ولدي , زوجني إخوتي هجينا فولدت منه هذا الغلام فلما ترعرع وشب أمروني أن أنتفي منه وأطرده وهذا والله ولدي وفؤادي يتقلى أسفاً على ولدي , قال ثم أخذت بيد الغلام وانطلقت ([56]) .
وبذلك فإن أمير المؤمنين علي عليه السلام قد فند شهادة الشهود على كثرتهم , وذلك بحمل المرأة على الإقرار بكذبها وكذب الشهود , لكي تتجنب مغبة الزواج بابنها  ذلك .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اكرم الخلق اجمعين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين .
([1]) انظر الشيخ  محمـد بن أبي بكر بن عبد القـادر الـرازي , معجـم مختار الصحـاح , الطبعـة الاولى , دار الصـادر ,
      بيروت , 1429 هـ – 2008 م , ص 138 .
([2]) انظر د. إبراهيم مصطفى وغيره , المعجـم الوسيط , الجزء الأول , إنتشارات صادق , تهران , 1426ق – 1382
      ش , ص 294 .
([3]) انظر د.صلاح الدين الهواري , المعجم الوسيط المدرسي , دار ومكتبة الهلال , بيروت , بلا سنة طبع , ص560.
([4]) انظر د. صلاح الدين الهواري , المعجم الوجيز المدرسي , دار وكتبة الهلال , بيروت , 2009 م , ص 317 .
([5]) المنجد في اللغة والأعلام , دار المشرق , بيروت , بلا سنة طبع , ص 220 .
([6]) جمال الدين محمـد بن مكرم إبن منظـور الأفـريقي المصـري , لسـان العـرب , الجـزء الثانـي , مـؤسسـة الأعلـمي
     للمطبوعات , بيروت , 1426 هـ – 2005 م , ص 1305 .
([7]) انظر الشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي , مصدر سابق , ص 138 .
([8]) انظر د. إبراهيم أنيس وغيره , المعجم الوسيط , الجـزء الأول والثاني , مكـتب نشـر الثقافـة الإسلاميـة , بـلا مكان
      طبع , 1388 ق – 1367 ش , ص 294 .
([9]) انظر جمال الدين محمد بن مكرم إبن منظور , لسان العرب , الجزء الأول , مصدر سابق , ص 461 .
([10]) سورة البقرة , الآية 87 .
([11]) انظر الشيخ أبا علي الفضل بن الحسن الطبرسي, تفسير جوامع الجامع , الجزء الأول , الطبعـة الثانـية , مؤسـسـة
      النشر الإسلامي , قم المشرفة , 1423هـ , ص 125 .
([12]) سورة البقرة , الآية 92 .
([13]) انظر الشيخ أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجزء الثاني , مصدر سابق , ص393
([14]) سورة البقرة , الآية 159 .
([15]) انظر الشيـخ أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجـزء الثالـث , مصدر سابق , ص
       101 – 103.
([16]) انظر سورة البقرة , الآية 99 , 185 , 209 ,  211 , 213 , 253 . سورة آل عمران , الآية 86 , 97 , 105,
     138 , 183 , 184 ,187 . سورة النساء , الآية 19 , 50 , 94 ,153 , 174 . سورة المائدة , الآية 32. سورة
     الأنعام , الآية 57 , 157 . سورة الأعراف , الآية 73 , 85 , 101 , 105 . سورة يونس , الآية 13, 15, 74 .
     سورة هود , الآية 17 , 28 , 53 , 88 . سورة  إبراهيم , الآية 9 . سورة النحل , الآية 43 , 44. سـورة مريم ,
     الآية 73 . سورة  طه , الآية 72 , 73 . سـورة الحج الآية 16 , 72 . سـورة النـور , الآية 1, 34 , 46 . سـورة
     القصص , الآية 36 . سـورة العنكبوت , الآية 35 . سورة الروم , الآية 47 . سـورة الأحزاب , الآية 30 . سـورة
     سبأ , الآية 43. سورة فاطر , الآية 25 , 40. سورة المؤمن , الآية 22 , 28 , 34 , 50 , 66. سورة الزخرف ,
     الآية 64 . سورة الدخان , الآية 33 . سورة الجاثية , الآية 17 , 25 . سورة الأحقاف , الآية 7 . سـورة الحـديـد ,
     الآية 9 , 25 . سورة المجادلة , الآية 5 . سورة الصف , الآية 6 . سورة التغابن , الآية 6 . سـورة الطـلاق , الآية
     1 , 11 .
([17]) الشيخ أبو عيسى محمد الترمذي , الجامع الصحاح وهـو سنن الترمـذي , الجـزء الرابـع , الطبعـة الاولـى , شـركة
      مكتبة ومطبعة البابي الحلبي وأولاده , مصر , 1382 هـ , 1962 م , ص 399 .
([18]) انظر موسوعـة الفقه الإسلامي , الجـزء الثاني , الطبعـة الاولى , 1387هـ , ص 136 . أشار اليهـا د .آدم وهيـب
      النداوي , مصدر سابـق , ص 23 . د. أسامـة حجـازي المسـدي , الإثبـات المقـارن فـي الفقـه الإسـلامي والقانـون
      السعودي والاماراتي , دار الكتب القانونية , مصر , 2013 , ص 17 .
([19]) انظر حسين رجب محمد مخلف الزيدي , مصدر سابق , ص 11 – 12 .
([20]) سورة المائدة , الآية 48 -50. انظر الشيخ أبا علي الفضل بن الحسن الطبرسي , مصدر سابق , ص 505- 506.
([21]) سورة المائدة , الآية 44 , 45 , 47 . انظر الشيخ أبا جعفـر محمد بن الحسن الطوسي , التبيـان في تفسير القرآن ,
      الجزء الخامس , مصدر سابق , ص 333 – 343 .
([22]) سورة يوسف , الآية 16- 18 . انظر الشيخ  أبا النصر محمد بن مسعـود ابن عياش السلـمي السمـرقندي المعروف
      بالعياشي , تفسير العياشـي , الجـزء الثاني , الطبعـة الأولى , مـؤسسـة الأعلـمي للمطبوعـات , بيـروت –  لبنـان ,
      1411 هـ – 1991 م , ص 180 – 181 .
([23]) انظر د. عبد الكريم زيدان , نظام القضاء في الشريعة الإسلامية , الطبعة الاولـى , مطبعة العاني , بغـداد , 1404
      هـ – 1984 م , ص 220 .
([24]) الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي , الجامع لأحكام القرآن , الجزء التاسع , الطبعة الاولى , دار
      الكتب المصرية , القاهرة , 1358 هـ – 1939 م , ص 149 .
([25]) رواه الزمخشري في الكشاف , ج 2 , ص 451 . أشار اليه الشيخ ابي علي الفضل بن الحسـن الطبـرسي , تفسيـر
      جوامع الجامع , الجزء الثاني , مصدر سابق , ص 208 .
([26]) الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسـن الطوسي , التبيان في تفـسير القـرآن , الجـزء الثامن , مصدر سابق , ص 28 .
([27]) الشيـخ أبو الحسـن علـي بن إبراهيـم القـمي ,  تفسيـر القـمي , الجـزء الأول , الطبعـة الاولـى , مؤسـسـة الأعلـمـي
      للمطبوعات , بيروت – لبنان , 1412هـ – 1991م , ص 343 – 344 .
([28]) سورة يوسف , الآية 23 – 29 .
([29]) انظر الشيخ أبا علي الفضل بن الحسن الطبرسي , تفسير جوامع الجامع , الجزء الثاني , مصدر سابق , ص 214.
([30]) انظر الشيخ أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجزء الثامن , مصدر سابق , ص46.
([31]) سورة المائدة , الآية 50 . انظر الشيخ الطبرسي , تفسير جوامع الجامع , الجزء الأول , مصدر سابق , ص 505.
([32]) انظر إبراهيم نجيب محمد عوض , القضاء  في الإسلام تاريخه ونظامه , الهيئة العامة لشـؤون المطابـع الأميرية ,
      القاهرة , 1975 , ص 30 .
([33]) سورة النساء , الآية 60 . انظر الشيخ جعفر السبحـاني , نظـام القضـاء والشهـادة في الشـريعة الإسـلامية الغـراء ,
      الجزء الأول , الطبعة الاولى , مؤسسة الإمـام الصادق عليه السلام ,  إيران –  قم ,  1418 هـ – 1376 ش , ص
      34 – 35 , ص 68 – 71 , ص 116 – 117 , ص 129 – 136 .
([34]) الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجزء الرابع , مصدر سابق , ص 505 .
([35]) المصدر السابق .
([36]) سورة النمل , الآية 47 . انظر إبراهيم نجيب محمد عوض , مصدر سابق , ص 30 .
([37]) سورة المائدة , الآية 3 . انظر إبراهيم نجيب محمد عوض , مصدر سابق , ص 31 – 32 .
([38]) سورة النساء , الآية 58 . انظر الشيخ أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي , مصدر سابق , ص500 – 502 .
([39]) سورة البقرة , الآية 282 .انظر الشيخ أبا علي الفضل بن الحسن الطبرسي , تفسير جوامع الجامع , الجزء الأول ,
      مصدر سابق , ص 253 – 257 .
([40]) انظر الشيخ أبا الحسن علي بن إبراهيم القمي , مصدر سابق , ص101 – 102 . الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن
      الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجزء الثالث , مصدر سابق , ص 522 – 532 .
([41]) سورة المائدة , الآية 106- 108. انظر الشيخ أبا علي الفضل بن الحسن الطبرسي , تفسير جوامع الجامع , الجزء
      الأول , مصدر سابق , ص 539 – 543 .
([42]) الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجزء الخامس , مصدر سابق , ص 462 .
([43]) الشيخ أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي , مصدر سابق , ص 196 .
([44]) الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي , تفسير جوامع الجامع , الجزء الأول , مصدر سابق , ص 542 .
([45]) سورة النساء , الآية 105 . انظر الشيخ ابي الحسن علي بن إبراهيم القمي , مصدر سابق , ص 159 .
([46]) سورة النساء , الآية 59 . انظر الشيخ أبا علي الفضل بن الحسن الطبرسي , تفسير جوامع الجامع , الجزء الأول ,
      مصدر سابق , ص 410 – 411 .
([47]) سورة النساء , الآية 80 . انظر الشيخ الطوسي , التبيان , الجزء الرابع , مصدر سابق , ص 502 .
([48]) الشيخ الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقـلاني , فتـح الباري بشـرح صحيـح البخـاري , الجـزء السـادس , طبعـة
      مزيدة بفهرس أبجدي بأسماء كتب صحيح البخاري , دار المعرفة , بيروت –  لبنان , بلا سنة طبع , ص 458 .
([49]) انظر د. أحمد فتحي بهنسي , نظرية الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي – دراسة فقهية مقارنة , الطبعـة الخامسـة ,
      مطابع دار الشروق , القاهرة , 1989 , ص 193 .
([50]) انظر د. محمـد فتـح الله النشار , أحكام وقـواعـد عبء الإثبات في الفقـه الإسـلامي وقانـون الإثبـات , دار الجامعـة
      الجديدة للنشر , الإسكندرية , 2000 , ص 185 .
([51]) الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا , الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني , الجـزء الخامـس عشـر ,
      الطبعة الاولى , بلا مكان طبع , 1371 هـ , ص 215 .
([52]) سورة آل عمران , الآية 77 . انظر الشيـخ العسقـلاني , فتـح الباري بشـرح صحيـح البخـاري , الجـزء الخامـس ,
      مصدر سابق , ص 279 – 280 .
([53]) الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي , التبيان في تفسير القرآن , الجزء الرابـع , مصـدر سابـق , ص 134 .
([54]) انظر الشيخ أبا عيسى محمد بن عيسى بن سوره الترمذي , الجامع الصحاح وهو سنـن الترمـذي , المجلـد الثانـي ,
      الطبعة الثانية , دار الفكر العربي , القاهرة , 1394 هـ – 1974 م , ص 399 .
([55]) انظر الشيخ محمـد تقي التستري , قضاء أمير المـؤمنين علي بن أبي طالـب عليه السـلام , الطبعـة الثانيـة عشـرة ,
      مؤسسة الأعلمي للمطبوعات , بيروت , 1431 هـ – 2010 م , ص 22 – 23 .
([56]) المصدر السابق , ص 9 – 10 .

شاهد أيضاً

المجموعة العقدية

د. عمار الفتلاوي ان التطور الاقتصادي الذي شهده العالم أدى الى ظهور نظرية قانونية جديدة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.