الرئيسية / الفعاليات العلمية / مجلات / التوحيد والحاكمية في القرآن الكريم

التوحيد والحاكمية في القرآن الكريم

 أ.م.د لمياء مهدي سعيد
يسم الله الرحمن الرحيم
 يعد التوحيد حجر الزاوية في دعوة الانبياء والرسل كافة والهدف الغائي والمشترك لهم جميعا ، وهو قطب الرحى  لجميع المعارف الدينية والاحكام الالهية، واليه تنتهي مختلف المناهج الدينية والاخلاقية والاجتماعية والسياسية وبخلافه سوف لن تكون دينية او سماوية .
      فالتوحيد ليس مجرد رؤية او فكرة تسعى الى تنظيم المعتقدات وإصلاح الأفكار الذهنية فحسب ، بل يباشر تنظيم السلوك والعمل …. وان الأنبياء ورسل الدعوة الى وحدانية الله وقبل ان يتصدوا إلى مظاهر الشرك ، كانوا يسعون الى تطبيق هذا الهدف على الساحة العملية وتوحيد السلوكيات على أساس التوحيد وإنحصار الولاية بالله دون سواه ، قال تعالى في الاية السادسة من سورة النحل  ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ…﴾
       وكان ابرز مواقف دعاة التوحيد تتمثل في مواجهة المترفين كما تشير الاية  السادسة والاربعين بعد المئة من سورة ال عمران﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ﴾  ولم تقتصر معارضة المترفين المستكبرين لدعاة التوحيد على ما يدعون اليه من الافكار والمواقف ، بل كونهم وجدوا في هذا التوحيد خطرا على مصالحهم الاجتماعية ومناصبهم السياسية ” فالحقيقة هي ان المفهوم الأساسي لكلام الأنبياء قاطبة وعلى رأسهم خاتم الانبياء والرسل (ص) المتمثل بالدعوة الى التوحيد ، كان يعني عدم شرعية السلطات البشرية والزعامات السياسية ، ولذلك كانت مواقفهم الهامة تتجلى على الصعيد العملي في صراعهم مع الطواغيت والجبابرة وذوي النفوذ السياسي غير المشروع       وعلى هذا الاساس كانت الدعوات التوحيدية في جميع العصور ، ما ان تضع اقدامها ، وتعلن عن نفسها وحضورها في الساحة الاجتماعية ، حتى توضح موقفها من الجهات الحاكمة والفئات المستكبرة ، وبذلك فأنها تواجه نوعين متضادين من المواقف ، وردود الافعال تتمثل بتيارين اجتماعين متعارضين ، يتجسد الموقف الاول بالأعراض والانكار والحرب من قبل المستكبرين  ، في حين يتجسد الموقف الاخر بالحماية والانتماء والايمان من قبل المستضعفين ، وان هذين النوعين من التعاطي انما يشيران في واقع الامر الى خاصية التوحيد الصادق والاصيل بمعنى انه في جميع العصور وحتى في المستقبل ، كلما تم عرض التوحيد بمفهومه الاصيل وشكله الصحيح ، فانه سيواجه هذين الاصطفافين والموقفين المتضادين تلقائيا .
      ويفهم مما تقدم ان الأثر الذي يمكن أن يلعبه التوحيد على صعيد تبيين النظام السياسي الاسلامي يفوق تأثيره في المعارف العلمية في الاسلام بحيث يتعذر فهم حقيقة النظام السياسي للقرآن دون الوقوف على حقيقة التوحيد؛ الامر الذي يفسر تركيز القرآن الكريم على التوحيد العبادي والافعالي والربوبي مقارنه بالتوحيد الذاتي والصفاتي.
      وتأسيسا على ذلك رفض القرآن الكريم وحكم ببطلان جميع اشكال الهيمنة السياسية على المجتمع الاسلامي ما لم تكن مستدة الى الله أوخلفائه الذين يمثلون مظهر حاكميته ، وولاية غيرهم مرفوضة وطاعتهم شرك وقبول وركون لولاية الطاغوت ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ﴾ (
     فقد عبر القرآن الكريم عن الطاعة والاتباع بالعبادة ، ووصف من يطيع الزعامات البشرية التي لا تسير على هدى الله ولا تمتلك الشرعية بالشرك ، وقد سئل الامام الصادق (ع) عن معنى قوله تعالى ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ …﴾، فقال عليه السلام (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون..)
        فالله خالق الانسان وهو المالك لكل شيء فالحكومة له، والخضوع لغيره شرك يناقض التوحيد ، وان الولاية والحاكمية عهد الهي ، وكل حاكمية وسلطة لا تنتهي  الى حكم الله تعد من الشرك المرفوض.

شاهد أيضاً

مقالة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم الخلق أجمعين حبيب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.